الرئيسية » منعطف جديد للتحالف العربى الصينى

منعطف جديد للتحالف العربى الصينى

by Global Econome

منعطف جديد للتحالف العربى الصينى

أ.د/عادل درويش

القمة العربية الصينية التى احتضنتها المملكة العرببة السعودية ، لم تكن وليدة التطورات العالمية أو التقلبات السياسية ، فالتحالف بدأ مبكرا إقتصاديا مع طريق الحرير ، واستمر بخطى ثابته ، الى أن بدأ الغول الصناعى الصينى فى التحول والتوغل عالميا ، فتسارعت خطى التحالف لتقفز الى الأمام حتى اندمجت العلاقات الاقتصادية مع السياسية وبات الطريق مفتوحا لتحالف جديد أقوى اقتصاديا وسياسيا .
بدأت الصين تحولها في التسعينيات إلى قوة اقتصادية عالمية باقتصاد السوق وكانت مصر  هي المعيار الذي يمكن من خلاله للمثقفين الصينيين قياس مطالبهم لتمثيل حضارة كبيرة.
و قام  بعض العلماء الصينيين من أجل الترويج للصين كوجهة للسياحة الغربيه بدراسة عن كيفية قيام مصر بتسويق متاحفها وآثارها ودعى هؤلاء العلماء إلى اعتماد استراتيجيات مماثلة فى هذا المجال.
وعندما أعلن شي جين بينغ لأول مرة عن نيته فى بناء “طريق حرير جديد” خلال خطاب ألقاه عام 2013  فقد صاغ المشروع بشكل صريح على إعادة تنشيط للعلاقات الثقافية والاقتصادية مع مصر وذلك من خلال التأكيد على فكرة “طريق الحرير البحري” لتشمل دولًا مثل مصر التي لديها اتصال محدود بطريق الحرير البري الأصلي. ورفع المسؤلون المصريون شعار طريق الحرير البحري فى معظم المناسبات للتعريف بان مصر  هى الطرف المقابل للصين لممر الشحن الحيوي  وبناءً على ذلك فقد دعا المثقفون المصريون كلا من  مصر والصين بحكم التراث القديم المشترك إلى تبادل فرص التعاون فى هذا المجال.  ومن الشائع أن نرى المصريين يؤكدون أن مصر في طليعة الدول التي استجابت لدعوة الصين لبناء علاقات وطيدة خلال القرن الماضى حتى أن أحد الكتاب حاول وضع القاهرة كعاصمة لطريق الحرير الجديد.
وتجدر الاشارة الى أن الاهتمام الصيني بالحضارة المصرية قد أصبح في أعلى مستوياته على الإطلاق وذلك في فبراير 2017 حيث تم تصنيف مصر الوجهة الرابعة عشر كوجهة للسياح الصينيين المسافرين للخارج وذلك خلال عطلة رأس السنة الصينية الجديدة وهي أعلى من أي دولة أخرى خارج منطقة آسيا والمحيط الهادئ. .
ومن أجل تجسيد الصداقة الصينية العربية فى أحلى صورهاٍ مع الدول العربية فقد تبنت الصين عدة إجراءات تمثلت في إنشاء جمعية الصداقة الصينية ـالعربية في عام 2001  والبدء في إيفاد المبعوث الخاص لشئون الشرق الأوسط عام 2002 للاضطلاع بدور أكبر للمساهمة  في تسوية الصراع بين الفلسطيني الاسرائيلي والاتفاق  على إقامة منتدى التعاون الصيني ــ العربي عام 2004 وذلك  لتعزيز العلاقات في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك كما ان التبادل الثقافي الصيني ـالعربي يتضمن العديد من البرامج الثقافية والفنية التي يقيمها الجانبان في الصين واحد الدول العربية وذلك بالتناوب كل عامين كما أنشأت الصين العديد من معاهد كونفوشيوس لنشر اللغة والثقافة الصينية من خلال تلبية الدعوة من بعض الدول العربية وعلاوة علي ذلك فان الجانب الصيني يقدم سنويا ما لا يقل عن ألف منحة حكومية للجانب العربي هذا بالاضافة الي قيام العديد من العلماء الصينيين في مجال الترجمة والنشر  بتقديم مؤلفات أدبية وفكرية عربية متميزه الي الشعب الصيني حيث بلغ عددها اكثر من ألف مؤلف وذلك خلال الثلاثين عاما الماضية.
ومن المعلوم أن التمثيل الثقافي هو جزء من الدبلوماسية الثقافية في عصرنا الحالي والتي تلعب دورا كبير في التقارب بين الشعوب من خلال الدبلوماسية السياسية للدول
وفي هذا الصدد فان مصر هي أول دولة عربية اقامت علاقات دبلوماسية مع الصين وذلك في 30 مايو عام 1956 وبعدها أسهمت التبادلات الثقافية في تعزيز التفاهم بين الشعبين وتعزيز اواصر الصداقه بين البلدين وذلك من خلال  ارسال الحكومة الصينية الوفود الثقافية والفنية لإقامة عدة أنشطة ثقافية في مصر مما أتاح للشعب المصري فرصة لمعرفة المزيد عن الصين.  ان اكبر دليل علي عمق التبادل الثقافي منذ قديم الأزل هو قول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم “أطلبوا العلم ولو في الصين .
وقد احتفلت مصر والصين في الثلاثين من مايو من عام 2020  بذكرى مرور 64 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وذلك فى الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الثنائية عصرا ذهبيا في ضوء الصداقة المتميزة بين الرئيسين عبد الفتاح السيسى والرئيس الصيني شي جين بينج والتى أثمرت على فتح آفاق كبيرة للتعاون في شتى المجالات وذلك منذ الزيارة التاريخية الأولى للرئيس السيسي لبكين عام 2014 والتي شهدت رفع مستوى العلاقات إلى شراكة استراتيجية شاملة فى العديد من المجالاتٍ ثم تبعها خمس زيارات أخرى حيث كانت محطات هامة لبلورة اتفاقيات ومشروعات التعاون المشترك بين البلدين.
ومن الجدير بالذكر أن مصر كانت من أوائل الدول التي سارعت بإرسال المساعدات الطبية إلى الصين في فبراير من هذالعام وذلك بعد تفشي وباء كورونا المستجد (كوفيد -19) مما يدل على قوة العلاقات بين القاهرة وبكين بدعمهما لبعضهما البعض في وقت الشدائد    فما كان من بكين إلا أن ردت الجميل لمصر وذلك بإرسال ثلاث دفعات من المساعدات الطبية إلى القاهرة في إطار الجهود لاحتواء انتشار الفيروس داخل مصر.
وفي هذا الإطار فقد أكد لياو ليتشيانج سفير الصين بالقاهرة دعم بلاده الثابت لجهود مصر لمكافحة وباء كورونا بإجراءات عملية تعكس بشكل كامل عمق الصداقة بين البلدين  مؤكدا على أن مصر ستتغلب على الوباء ومشيدا بالجهود المشتركة بين القاهرة وبكين وبالعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين والتي ستتعمق بشكل أكبر بعد تجاوز مرحلة الوباء.
ان العلاقات السياسية بين مصر والصين تمتاز بخصوصية كبيرة من حيث التوافق في الرؤى والآراء للبلدين فى مختلف القضايا الاقليمية والدولية حيث تدعمان الحلول السلمية والدبلوماسية للأزمات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك الوضع في سوريا والعراق وليبيا وذلك من خلال  موقف بكين الثابت الداعم لحل الصراع الفلسطيني  الإسرائيلي بالطرق الدبلوماسية في ضوء قرارات الأمم المتحدة بينما تدعم مصر ” دولة واحدة ونظامان ” في منطقة هونج كونج الإدارية الخاصة. وعلاوة على ذلك فان مصر والصين تسعيان دوما إلى تعزيز التعاون الدولي في عصر العولمة وتحقيق أقصى استفادة من مبادرة الحزام والطريق حيث كانت مصر من أوائل الدول التي أعلنت مساندتها ومشاركتها في هذه المبادرة وكان من أبرز ثمارها في وقتنا الحالى هو التعاون بين القاهرة وبكين فى تنفيذ مشروع حي الأعمال المركزي في العاصمة الإدارية الجديدة  ومشروع القطار الكهربائي الذي سيربط بين مدينة العاشر من رمضان والعاصمة الإدارية الجديدة  وكذلك الانتهاء من خطوط نقل الكهرباء في بعض المناطق في مصر بمسافة 1210 كيلومترات وذلك بالاضافة الى التوسع في منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري المصري الصيني ( تيدا ) في العين السخنة والتي بنيت منذ احدي عشر عاما بجملة استثمارات تقدر بنحو مليار دولار. كما أقامت الصين أول مركز تجميع وتركيب واختبار الأقمار الصناعية في مصر فضلا عن مشروع (مصر سات 2) لتصبح مصر أول دولة تمتلك القدرة على تركيب وتجميع واختبار الأقمار الصناعية في أفريقيا.

كاتب المقال

الأستاذ بجامعة حلوان
المستشار الأكاديمي للجامعة المصرية الصينية بالقاهرة
المستشار الثقافى ومدير المركز الثقافي المصري بسفارة جمهورية مصر العربية بدولة أذربيجان سابقا وسفير الثقافة

You may also like