الرئيسية » وائل زيادة يكتب .. السياحة وافتراضاتنا الخاطئة

وائل زيادة يكتب .. السياحة وافتراضاتنا الخاطئة

by Global Econome

وائل زيادة يكتب .. السياحة وافتراضاتنا الخاطئة

ادرك كثير من المتخصصين وغير المتخصصين مؤخرا ان قطاع السياحة قد يكون الاهم والاسرع والاقل تكلفة في حل الكثير من مشاكل مصر الاقتصادية المرتبطة بالعملة الاجنبية على وجه التحديد بما فيهم مؤسسات مالية عالمية قالت بالنص في تقارير صدرت منذ ايام (تقرير Citi Group) “…على الدولة ان تُولي قطاع السياحة الاولوية القصوي لما يمثله من حل سريع و مستدام لمشكلة العملة”

لي صديق مصري، رجل اعمال، يعمل في اسبانيا و كثيرا ما تناقشنا عن كم الصناعات المرتبطة بقطاع السياحة في اسبانيا التي لا نعلم عنها شيئا في مصر بسبب الشريحة التي تجتذبها السياحة المصرية ، و كيف تمتلك مصر مقومات لا تقارن بأي دولة في العالم يأهلها لاجتذاب كل الشرائح و من اهمها الشريحة الاكثر انفاقا، و تظل الاسئلة التي تشغل المهتمين باقتصاديات هذا القطاع على مدار السنين هي :

١- لماذا لم تصبح مصر من اكبر عشر دول في العالم من حيث ايرادات السياحة بالرغم ما لديها من مقومات؟

٢- كل دول العالم السياحية الكبرى شهدت حوادث ارهابية ، هل تتاثر السياحة في مصر بالارهاب اكثر من اي دولة اخرى ام انها فرضية خاطئة صدقناها فاصبحت حقيقة ؟

٣- هل الكوادر العاملة في هذا القطاع ليس لديها ثقافة الضيافة و بالتالي منتهى امالنا هو اجتذاب السائح البسيط ، اللي “هيرضي بقليله”؟

٤ – هل حقيقي ان معظم شركات السياحة تحجب جزء من ايراداتها السياحية خارج مصر و بالتالي تحرم البلد من العملة الاجنبية، ام انها خرافة اخرى؟

٥- و اخيرا هل من الممكن ان تصل ايرادات مصر من السياحة الى ٤٠ مليار دولار بكثير من التخطيط و قليل من الاستثمار كما اشار بحث لشركة ابحاث الضيافة العالمية HVS منذ ثلاث سنوات ؟

البداية

السياحة، مثلها مثل الصناعات القديمة في مصر التي ظهرت منذ عقود لامتلاكنا ميزة تنافسية بها، كانت الدولة هي اللاعب الاهم في القطاع وبالتالي لم ترى السياحة ما يكفى من التحديث او التخطيط برؤية شاملة و اعتمدنا على أن “لدينا ثلث اثار العالم و شواطئ ساحرة…الخ ” وهي امور لا تشكل اكثر من 20% من المطلوب لخلق قطاع سياحي قوي و مستقر.

وهنا أود أن انوه على نقطة اخري غاية في الاهمية: قطاع السياحة هو اكثر قطاع في اي دولة يحتاج الى”تنسيق” مستمر بين الجهات والاجهزة في الدولة وبحرفية عالية واذا غاب التنسيق، مهما كانت مصادر الجذب السياحي فسوف تتخلف هذه الصناعة لا محالة.

لذا و في غياب الدراسة و التحديث و التنسيق و فهم حقيقي لمعنى الترويج (ليس اعلان في CNN او حضور معارض) و في ظل منافسة شرسة من بلاد كرست كل امكانياتها التكنولوجية و التنظيمية و المالية لتصنع مقاصد سياحية في مدن ليس لديها مميزات حقيقية مثل مصر، بدأت الفجوة تزداد بيننا و بين هذه البلاد من حيث “جودة المنتج” ، و كانت النتيجة الحتمية؛ أن ذهبت الشرائح عالية الانفاق إلي هذه البلاد واكتفينا نحن بالسائح محدود الانفاق.

وًهنا لم يكن هناك مفر من التسويق للسياحة في مصر عن طريق ال Packaged tourism والتي تعتمد على عامل السعر قبل الجودة – باختصار السائح دافع معظم مصاريفه قبل السفر و لا مجال للابداع في تحفيز الانفاق- مما ادى إلي نقطة غاية في الخطورة: تركز السياحة مع عدد قليل من اللاعبين و وكالات السفر التي كانت لديها القدرة على التأثير على الاعداد الوافدة في حالة وجود اي قلق امني او حادث خوفا على سمعتها و بالتالي باتت مصر تتاثر اكثر من اي بلد اخرى في فترة التعافي بعد الحوادث.

هنا استسلمت الدولة والقطاع الخاص لنظرية “السياحة على كف عفريت ومش مضمونة ومش هي ديه اللي هتقوم البلد” وبالتالي تراجع الاهتمام بهذا القطاع وبدأ المنتج والخدمة تتماشى مع هذه الفرضية الخاطئة وتخاطب الشرائح الاقتصادية من السائحين وبدون اي طموح.

ماذا فعل الآخرون ؟

السياحة ثالث أكبر صناعة تصديرية في العالم بعد الوقود والكيماويات، وتتفوق في حجمها على صادرات المنتجات الغذائية والسيارات.

إذن لدينا نفط فوق الارض يجب أن نستغله… وهذا سر اصراري على هذا الملف وهذا سر دفع الدول السياحية الكبرى بكل امكانياتها وراء هذه الصناعة.

التقيت من خلال عملي بشركة اجنبية تعمل مع الحكومة الاسبانية والبرتغالية على بناء قواعد البيانات وتحليلها واستخدام الذكاء الصناعي لمساعدة الحكومة والشركات في تطوير استراتيجيتهم في عدة مجالات وبالاخص المنتج السياحي، وبسبب انبهاري الواضح بكيف يستطيع هذا العلم تحقيق امور اشبه بالخيال، رشح لى احد افراد الشركة هذا الكتاب (علم تحليل البيانات في صناعة السياحة – Applied Data Science in Tourism) .. الكتاب اعطى امثلة عملية من ارض الواقع على ما حققه علم تحليل البيانات في تطوير المنتج السياحي بدراسة انماط السياحة، “الحقيقة الدول السياحية الكبرى خدت صناعة السياحة بفضل تحليل البيانات في منطقة تانية خالص، عدد الزيارات المتكررة من نفس السائح زاد الى 40% عند بعض البلاد وتضاعف حرفيا انفاق بعض الفئات من السياح و أظهرت استطلاعات الرأي معدلات رضا عالية جدا”.

خلينا نبدأ بشكل عام فى اقتصاديات السياحة يوجد 4 مؤشرات أساسية تقيس بها الدولة وضعها كوجهة سياحية و هي:

1- عدد السياح الوافدين

2- متوسط عدد الليالي للسائح

3- متوسط حجم الانفاق اليومي للسائح

4- نسبة تكرار الزيارة من اجمالي الوافدين.

مشكلة مصر فين ؟

في رقم 3 و رقم 4 .

مما هو متاح من بيانات، مصر تستقبل من 12-14 مليون سائح سنويا ، بمتوسط عدد ليالي حوالي 10 ، و متوسط انفاق في حدود 100 دولار امريكي في الليلة الواحدة.

متوسط عدد الليالي في مصر يدل على أن طبيعة السياحة (في اغلبها) ترفيهية وليست بغرض الأعمال، عدد الليالي في الامارات بعد أن “تضاعف” في اخر عشر سنوات وصل الى حوالي 4 ليالي لأن هناك جزء كبير من أسباب السفر يكون لغرض الاعمال، ولكن معدل انفاق السائح في الامارات في الليلة طبقا لبيانات وزارة الاقتصاد الاماراتية يتجاوز السائح في مصر بأربعة أو خمسة اضعاف على الاقل، “في عالم تاني خالص من السياحة في نادي ما فوق ” 100 دولار في الليلة” لا نعلم عنه شيئا”.

و اخير، السياحة المتكررة أو Repeat tourism: و هو السائح الذي حقق مستوى رضا بالغ، وبالتالي عاد مرة اخرى، في الحقيقة بعض المدن وصلت فيها معدلات السياحة المتكررة مثل باريس ولندن وروما إلي ما فوق ال 60% في بعض الشهور و 40% كمتوسط خلال العام.

شئ مذهل. السائح المتكرر هو فاكهة هذه الصناعة والاكثر انفاقا في المتوسط من السائح الجديد طبقا للدراسات.. لماذا؟ .. هناك تحليلات كثيرة مثل الاحساس بالامان، تنوع المنتجات، القدرة على جعل التجربة السياحية لكل سائح بمثابة تجربة شخصية.

الخلاصة: “السايح المبسوط هيرجع تاني” اتصور بالنظر إلي التجربة التي يمر بها السواح في مطارات مصر و دمواقع الآثار السياحية نستطيع أن نحكم على معدل السياحة المتكررة (لعدم وجود بيانات) بانها متدنية للغاية ولكن هناك نقطة مضيئة.

بالحكم على ما وصلنا إليه في تجربة المتحف المصري الجديد ومتحف الحضارات (و هي تجربة ناجحة للغاية) سندرك إننا نستطيع خلق تجارب ليس لها مثيل في العالم بسبب ثراء تراثنا، وعلى عكس النفط، التراث لا يفنى.. و هناك آفاق بعيدة في السياحة لم نتطرق لها بعد، ونحن بالتأكيد نستطيع.

وائل زيادة

الرئيس التنفيذى لشركة زيلا كابيتال

You may also like